انتفاضة 87 ونشأة تنظيمات الحركة الإسلامية في الضفة والقطاع..قراءة المزيد

ثلاثاء, 12/11/2018 - 16:11

انتفاضة 87 ونشأة تنظيمات الحركة الإسلامية في الضفة والقطاع :

ظهر أول مؤشر إلى وجود تنظيمات للحركة الإسلامية بين سكان الضفة الغربية وقطاع غزة, في بادئ الأمر, في الجامعات الفلسطينية, في أول "تظاهر للنهضة الإسلامية", فحتى العام الدراسي 1977/1978, لم يكن طلاب الجامعات قد سمعوا عن مجموعات دينية منفصلة. 
فقد اقتصر وضع الحركة الإسلامية, حينذاك, على الوجود الفردي, الذي أخذ ينمو ويزداد عدداً بمرور الزمن, وجاءت الإشارة الأولى, التي لمسها كل طالب, في أثناء الانتخابات الطلابية التي أجريت في تشرين الثاني (نوفمبر) 1979 في جامعة بيرزيت. فقد تقدمت إلى الترشيح للانتخابات قائمتان:
الأولى تضم عناصر تنتمي إلى فصائل الحركة الوطنية, والثانية تضم عناصر دينية. وبلغت نسبة التصويت في الانتخابات 90بالمئة. أسفرت عن فوز القائمة الدينية ب (43) بالمئة من الأصوات. وكان هذا بمثابة أول مقياس على طبيعة الانتماءات (الحزبية) في الجامعة. 
غير أن مثل هذه النتيجة ليست مؤشراً, أو دليلاً على أن 43 بالمئة من طلاب الجامعة باتوا أعضاء في منظمات دينية. فالكثيرون منهم جاءوا إلى الجامعة وهم يحملون خلفيات ريفية وقروية, حيث المشاعر الدينية هي السائدة, ولا يمكن, توقع تغير سريع في أفكارهم بمجرد دخولهم الجامعات. كما أن الهوية الدينية الخالصة للقائمة الفائزة لم تكن قد اتضحت تماماً. فمن مفارقات الانتخابات, مشاركة عناصر طلابية مسيحية في القائمة التي تبنت شعار "الجامع والكنيسة ضد الملحدين", ولم تطرح القائمة على أساس إسلامي, وهو الأمر الذي تم, عملياً, في انتخابات العام 1981, حين أعلن عن الهوية الدينية للقائمة. وقد أدى هذا الإعلان إلى تراجع نسبة المصوتين لها من 43 بالمئة, إلى 35 بالمئة فقط .

وهكذا بدأت تتردد في أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة أسماء مختلفة لجماعات إسلامية ظهرت ملامحها في الانتخابات الطلابية, وفي المظاهر العامة التي ميزت عدداً كبيراً من الشبان في المنطقتين, ممن أخذوا يطلقون لحاهم ويرتدون الزي الإسلامي.
أما من الناحية التنظيمية, فقد ظل أمر التعرف بدقة على تنظيمات الحركة الإسلامية يصطدم بصعوبات كثيرة, نشأ بعضها من الطابع السري لعمل هذه التنظيمات, أو الجماعات, ونشأ بعضها الأخر من عدم وجود تمايزات تنظيمية واضحة يمكن الاستدلال عليها من البيانات أو الوثائق الخاصة, إلى ذلك يضاف الرفض التقليدي لعدد كبير من تنظيمات الحركة الإسلامية للحزبية وإطلاق هذه الصفة عليها. وعلى الرغم من ذلك, وُجد بعض المصادر التي ساعدت في الكشف عن وجود تنظيمي لبعض تنظيمات الحركة الإسلامية, وإن كان هذا الكشف لا يتعدى التعريف بها.

تزامن بروز الحركة الاسلامية مع تفجر الانتفاضة الفلسطينية وانطلاقها عام 1987, ويمكن تصنيف الأوضاع والعوامل, التي ساهمت في تهيئة الأجواء لانطلاق الانتفاضة إلى مجموعتين: الأولى متعلقة بتطور الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الصعيد الوطني العام, والمؤثرة في صلب مسيرة القضية الفلسطينية. والثانية مرتبطة بسياق التطور الذاتي الفكري والسياسي للحركة الإسلامية في الأرض المحتلة, وبصورة أولية في قطاع غزة .

ولا يقصد بهذا القول إن التطور الداخلي في فكر الحركة الإسلامية في فلسطين, ونزوع الحركة نحو استخدام المقاومة المباشرة للاحتلال كانا في حد ذاتهما, مفجري الانتفاضة, بل القول إن ذلك كان عاملاً مساعداً, إلى جانب السياقات الاجتماعية والسياسية, وضغوط الاحتلال التي قادت إلى الانتفاضة ويمكن إجمال هذه السياقات وأثرها المباشر أو غير المباشر في الانتفاضة على النحو التالي:
وفيما يتعلق بالنضال الفلسطيني العام, شهدت فترة ما بعد الخروج من بيروت سنة 1982, حتى اندلاع الانتفاضة في أواخر العام 1987, تراجعاً سلبياً نتج من فقدان أخر موقع من مواقع النضال المسلح المباشر ضد الاحتلال (من الخارج), أعقبه توجه منظمة التحرير الفلسطينية كلياً نحو الخيارات السياسية. وزاد في قتامة الصورة ما خلفه مؤتمر القمة العربية في عمان سنة 1986. من مرارة فلسطينية حين تراجع حتى مستوى الاهتمام الرسمي العربي بقضية فلسطين, وسيطرة أجواء الحرب العراقية –الإيرانية على قرارات القمة وتوجهاتها. وكان ذلك كله ينعكس على (الداخل), مغذياً شعور اليأس من (الخارج) العربي والإسلامي لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني, ولاسيما لدى أجيال(الداخل) الشابه التي ولدت وترعرعت وكبرت تحت الاحتلال.

عشية اندلاع الانتفاضة, كانت السياسة الإسرائيلية في قطاع غزة والضفة الغربية تتصف بالغطرسة والتعالي والشعور بنشوة الظافر. فقد كانت إسرائيل تظن أنها أحكمت قبضتها على مفاصل الحركة الاجتماعية للشعب الفلسطيني, فضلاً عن سيطرتها السياسية والعسكرية على الأرض. وكان انسداد أفق الحلول السياسية أمام الفلسطينيين, إلى جانب واقع اقتصادي بالغ التدهور والسوء, بدأت لديهم مشاعر النقمة والثورة  وتجمع ذلك كله في بوتقة واحدة, دافعاً الأمور باتجاه الانتفاضة.
 وبتطور الأجواء الانتفاضية بالتدريج في قطاع غزة في فترة 1986-1987, انضبط السياق التاريخي للأحداث ليصل إلى نهايته بانطلاق الانتفاضة. 

وقد شكل نجاح ستة أعضاء من "حركة الجهاد الإسلامي". في الهروب من سجن غزة المركزي في آيار/مايو 1987 علامة بارزة في ذلك السياق, ولاسيما أنهم ظلوا في قطاع غزة, وقاموا بعدة عمليات بالغة الجرأة  ضد دوريات الجيش الإسرائيلي وجنوده, واستشهد أربعة منهم في صدام عسكري مع كمين إسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر من السنة نفسها-1987- استأنفت المجموعة نشاطها المسلح ضد أهداف إسرائيلية, وقامت بعدة عمليات عسكرية منها:
1- قتل المستوطن الإسرائيلي "جليل عزوسي" في 25/ مايو.
2- قتل قائد الشرطة العسكرية في لواء غزة النقيب "رون طال" في 2/ أغسطس.
3-إلقاء القنابل اليدوية مرتين نحو قيادة الحكم العسكري في غزة.
4- نصبوا كمين لسيارة مصلحة الأمن وأصابوا ركابها بجروح, وشنت هجوماً بالرشاشات على سيارة للمخابرات الإسرئيلية فقتلت وجرحت من فيها.
وقد حظيت هذه العمليات بشهرة إعلامية واسعة, لاحظ السكان أن الإسرائيليون يريدون مواجهة نشاط مجموعة صغيرة من أعضاء الجهاد فتم فرض منع التجول عليهم وقاموا بالتفتيش عنهم في البيوت فأصبح السكان شركاء في هذا الكفاح. وفي الأول من أكتوبر استشهد (مصباح الصوري) قائد المجموعة, على يد جنود حاجز عسكري قرب مخيم "البريج" للاجئين وسط قطاع غزة.وفي يوم الثلاثاء في السادس من أكتوبر استشهد أربعة من أعضاء المجموعة وهم يخوضون معركة ضد جنود الإحتلال وقوات من المخابرات الإسرائيلية فيقتلون ضابط الشاباك "فيكتور أراجون" ويصيبون عدد أخر. هؤلاء الشهداء هم: (محمد الجمل, سامي خليل, أحمد حلس, زهدي (فايز) قريقع.

وبهذا الحادث ارتفعت درجة الغليان الجماهيري وخصوصاً بعد اقتحام الجيش الإسرائيلي لحرم الجامعة الإسلامية في غزة. التي تجمع فيها آلاف الطلاب في تظاهرات كبيرة بعد تأدية صلاة الغائب على أرواح الشهداء الأربعة. وإطلاق جنود الجيش الإسرائيلي الرصاص على الطلاب وإصابة العشرات منهم.

لقد احتاج الإخوان الفلسطينيون إلى ثلاثين عاماً تقريباً ليراجعوا خطتهم "الإعدادية لجيل التحرير" ويكتشفوا عدم نجاعتها بصورة تامة, وينخرطوا في مشروع جديد. فمنذ تاريخ إهمالهم للمشروع, الذي طرحه خليل الوزير عليهم سنة 1957, حتى أوائل الثمانينات التي شكلت إرهاصات تأسيس "حماس", انهمك الإخوان في إعداد الجيل المرتقب, وغابوا عملياً عن ساحة العمل الوطني والسياسي المتجسد في التعامل المباشر مع قضية تحرير وطنهم, والمساهمة المباشرة في مقاومة المحتل الإسرائيلي. 

وحتى المساهمة الجهادية القصيرة في الأغوار الأردنية في فترة 1968-1970, حيث أنشأ الإخوان معسكرات لهم تحت راية"فتح" وقاموا من خلالها بعمليات عسكرية مهمة عبر الحدود, لم تكن إلا بدفع من المكتب الإداري العام لـ "الإخوان المسلمين" في الأقطار العربية لا بمبادرة من الإخوان الفلسطينيين وحدهم . ومن المفارقات اللافتة أن أسساً وتصورات كثيرة قامت "فتح" عليها, وخصوصاً إعلان الحياد بين الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها وصوغ الموقف من مختلف الأطراف على أساس موقفها من قضية فلسطين, كانت هي ذاتها الأسس والتصورات التي انتهجتها "حماس" في سياساتها إزاء الأنظمة العربية والإسلامية, وحتى إزاء دول العالم الغربي.

- إن قوة الحركة الإسلامية في فلسطين, بشكل عام, ارتبط بظهور ضعف واضح في تنظيمات وقوى الحركة الوطنية وعجز هذه القوى عن القيام بالمهام المطلوب منها إنجازها , الأمر الذي كان يدفع بتنظيمات في الحركة الإسلامية, أو أجزاء منها, أو مجموعة كوادر للتقدم والتصدي لبعض هذه المهام من موقع ديني.
- مختلف التنظيمات التي خرجت عن جماعة "الإخوان المسلمين" حملت صفة إسلامية, باستثناء المجموعة التي ساهمت في تأسيس حركة فتح فلم تتخذ صفة إسلامية, لكنها ظلت قريبة من الإسلاميين وتقيم صلات قوية معهم.
الظاهرة الجهادية هي تاريخية في الحركة الإسلامية الفلسطينية, تمتد إلى عصبة القسام مروراً بثورة 1936 الكبرى.
*ثابت العمور